ملامح التاريخ الحضاري للأردن
اكتسب الأردن بحكم موقعه أهمية خاصة عبر
التاريخ ، فكان لخصائص الموقع الجغرافي و الظروف التاريخية و السياسية و
الاقتصادية التي مر بها الأثر الكبير في إبراز صورته التاريخية ، فقد كان الأردن
مفتاح الطريق للبلدان العربية المجاورة له في مصر و بلاد الرافدين و الجزيرة
العربية ، و قد ساعده على ذلك مناخه المتنوع و موقعه ، الذي يربط بين قارات العالم
القديم ، و نظرا لهذا التوصل الحضاري فقد شهد الأردن توطن حضارات و قيام ممالك
كبرى صبغت تاريخ تلك الحقب ، ومن أبرزها :
1-المملكة العمونية : و كانت عاصمتها (ربة
عمون) التي أصبحت تعرف فيما بعد بعمان .
2-المملكة الأدومية : و عاصمتها بصيرا إلى
الجنوب من مدينة الطفيلة .
3- المملكة المؤابية : و عاصمتها ذيبان في جنوب الأردن بقيادة الملك ميشع .
4- مملكة الأنباط العربية : و عاصمتها
البتراء و قد بسطت حكمًا واسعًا على المنطقة الممتدة من بصرى الشام إلى مدائن صالح
.
تعرض الأردن عبر التاريخ لغزاة طامعين كان
أولهم الفرس بقيادة كورش الفارسي. ثم جاء اليونانيون بقيادة الإكسندر المقدوني بعد
صراع مع الفرس في بلاد الشام ، وقد تركوا بصمات واضحة في تاريخ الأردن ، ففي عهدهم
ظهرت المدن العشر " الديكابوليس " ومنها ربة عمون التي عرفت باسم
فيلادلفيا نسبة إلى بطليموس فيلادلفيوس ، إضافة إلى المدن الأخرى مثل جرش (جراسا)
و بيت راس و أم قيس (جدارا) وإربد (أربيلا) وتظل المدن الأردنية بما تحمله من آثار
و مواقع دليلًا على قدمها و عمقها التاريخي و أنها كانت مستقرًا للكثير من
الحضارات . و بعد ذلك خضع الأردن للحكم الروماني الذي أغنى بحضارته المنطقة فكان
الأردن جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية القوية ، و قد عمل الرومان على إنشاء حضارة
ما تزال صورتها ماثلة في هذا العصر من خلال الكنائس و المدرجات الرومانية في كل من
عمان و جرش . وفي العهد الإسلامي كان للأردن أهمية خاصة فقد كان بوابة للفتوحات
الإسلامية . و قد دارت على أرضه الطيبة
عدة معارك بين المسلمين و الروم ، خضبت فيها دماء الشهداء ثرى الأردن العزيز ومن
هذه المعارك :
1- معركة مؤتة : وقعت في زمن الرسول صلى الله
عليه وسلم سنة (629 م ) بقيادة زيد بن حارثة – رضي الله عنه - .
2- معركة طبقة فحل : وقعت في وادي الأردن في
عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – و قد وقعت (635 م).
3- معركة اليرموك : وقعت في سهل اليرموك
المطل على النهر شمالي الأردن بقيادة القائد خالد بن الوليد – رضي الله عنه – سنة
(14ه).
و قد شهدت ساحات الأردن العديد من الحوادث
المفصلية و الهامة ، فكان التحكيم في أذرح جنوبي الأردن بين أنصار علي بن أبي طالب
– كرم الله وجهه – و معاوية بن أبي سفيان .
كما شهد الأردن في العصر الأموي بناء العديد
من القصور الصحراوية في بادية الأردن مثل قصر عمرة ، و قصر الخرانة ، و قصر المشتى
، و قصر الطوبة ، و قصر الحلابات و في الحميمة ولد أوائل الخلفاء العباسيين و بذلك
أصبح الأردن جزءًا من كيان الدولة العباسية .
كما احتضنت الحميمة في جنوب الأردن الدعوة
العباسية فكانت مركز انطلاق دعوة بني العباس . و فيما بعد احتل الصليبيون الأردن و
أقاموا القلاع في الشوبك و الكرك لحماية
بيت المقدس و السيطرة على طريق الحج . و تمكن المسلمون في العهد الأيوبي
بقيادة صلاح الدين الأيوبي من استعادة الشوبك و العقبة و تحريرهما . و كانت
الأراضي الأردنية في الكرك و عجلون منطلقًا لتحرير بقية بلاد الشام . و كانت معركة
حطين الحد الفاصل الذي أنهى الوجود الصليبي في بلاد الشام . وفي عهد المماليك اهتم
السلاطين بالكرك و جعلوها مكانًا لحفظ أموالهم ، و جددوا بناء المزارات في مؤتة و
اهتموا بالمساجد مثل : المسجد الجامع في عجلون ، و حينما حكم العثمانيون تنبهوا
الأهمية الأردن فكان ممرًا للقوافل و منطقة ضرورية لدعم الحكم العثماني ، و قد ظهر
الاهتمام العثماني بالأردن من خلال :
1- إنشاء القلاع على طول طريق الحج .
2- إنشاء البرك .
3- إنشاء سكة حديد الحجاز .
وفي بداية القرن العشرين ، عندما تنامى
الشعور القومي العربي و تفجرت اليقظة العربية ، كان الأردنيون من رواد هذه اليقظة
، فقد شهدت أرض الأردن عدة ثورات للتحرر من الحكر التركي ، و حينما ظهرت الحركة
الطورانية الداعية إلى طمس الهوية العربية تداعى أحرار العرب و سلموا القيادة إلى
ملك العرب الشريف الحسين بن علي الذي فجر ثورة العرب الكبرى ضد الطغيان ، و انضم
أهل الأردن بكل ما يملكون لهذه الثورة . و قد ضرب أبناء الأردن تحت القيادة
الهاشمية أروع المعاني في التحرر و بذل الغالي و النفيس فاستطاعوا تحرير أرضهم من
العثمانيين .
و في 11 نيسان 1921م تأسست أول حكومة أردنية
برئاسة رشيد طليع ، وكانت في حقيقة الأمر حكومة عربية أكثر منها أردنية ، لإيمان
الأمير عبد الله بن الحسين بن علي العميق بالقومية العربية سبيلًا للتحرر و الاستقلال
.
و لأن التحرر لا يكون إلا بالاستقلال الكامل
، فقد ناضل الأردن لنيله و تحقق لهم ذلك في 25/5/1946م و أعلنت إمارة شرق الأردن
مملكة ، و سميت المملكة الأردنية الهاشمية ، و نصب الأمير عبدالله بن الحسين علي
ملكًا عليها ، و صدر الدستور الأردني في عهد الملك طلال – رحمه الله – الذي جاءت
مواده متقدمة في مجال الحقوق المختلفة و في عهد الملك الحسين بن طلال – طيب الله
ثراه – شهد الأردن نهضة و رفعة في كافة المجالات .
و هكذا انتقلت الراية الهاشمية المعطاءة إلى
جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ليواصل المسيرة الأردنية في تحقيق منعة
الدولة و استقرارها و أمنها و نموها وتطورها ، و تحقيق التضامن العربي و إعادة
الحقوق إلى أصحابها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق